الورقة الإطاريّة للندوة

البوابة التعليمية قلب التعليم النابض

1.  الإطار المفاهيمي للندوة:

ينطلق تناول هذا الموضوع من أن أي خطة عمل توضع للتطبيق مستقبلاً، لا بدّ وأن تستند إلى إطار مفاهيمي يوضح الرؤية والإستراتيجية والسياسة المطلوبة لتنفيذها، كما أن هذا الإطار ينطلق أيضاً من ثوابت يرتكز عليها النظام التعليمي في سلطنة عمان والتي من أهمها النطق السامي، والنظام الأساسي للدولة وفلسفة التعليم والإستراتيجية الوطنية للتعليم 2040 . وضمن هذا السياق سيتم طرح موضوع: "الإطار المفاهيمي للندوة الوطنية: التعليم لتنمية قيم المواطنة" لتوضيح الأدوار المختلفة المنوطة بالمؤسسات الحكومية، ولإعطاء دور للمجتمع المدني في هذا الأمر.  

لقد باتت التربية على المواطنة من أولى اهتمامات الدول ومؤسساتها التربوية حيث أن إعداد أجيال من المتعلمين والمهنيين من دون التركيز على بنائهم كمواطنين ينعكس سلباً على مسيرة الوطن، لأن العمل على انتمائهم للوطن وولائهم للسلطة الشرعية وقيامهم بأدوارهم بمسؤولية كان لا بد من تحقيقه خلال فترة تعليمهم. والتاريخ الحديث يقدم العديد من الأمثلة حول هذا الأمر. وعندما نذكر كلمة "مواطنة" إنما نعبر عن انتماء الفرد القانوني والوجداني إلى وطن. وبما أن الانتماء القانوني يحصل تلقائياً غالباً، فإن الارتباط الوجداني وترجمته بأعمال في المجتمع هو ما تقوم به المؤسسات المجتمعية، والمدرسة إحداها إذا لم تكن أهمها. ومن هنا كان تعبير "تربية المواطنة" التي تعتبر قيمها موضوع ندوتنا.

إن معظم عناصر المواطنة تتمثّل في القيم التي يؤمن بها المجتمع، والتي تكوّن أساساً لتوجهات أعضائه أكانوا راشدين أو طلاباً على مقاعد الدراسة. والمجتمع العماني لديه قيمه التي تميزه والتي توارثها جيلاً عن جيل، والمستقاة بشكل أولي من الدين الإسلامي. وقد طبع الاحترام والتسامح والانفتاح على الآخرين والشهامة والتعاضد والتآخي والتعاون والعدالة والسلام ... سلوكيات الحاكم والناس كما سجل التاريخ ذلك وكما يلمسه المرء اليوم من خلال مراقبته لهذا المجتمع وتفاعل أبنائه مع بعضهم البعض، ومع الآخرين، ومع أولياء الأمر.

ومما هو جدير بالذكر أن التاريخ يثبت أن عمان من أوائل الدول التي جسدت مفهوم السلام والتسامح، ولعل إيفاد سفير لعمان –كأول سفير عربي- إلى الولايات المتحدة الامريكية ورحلة السفينة "سلطانة" في عام  1840م إلى هذه الدولة كان بمثابة رسالة حوار متعدد الألسن والأديان. كذلك فإن مبادرات التسامح التي تقوم بها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية هي في حد ذاتها تؤكد على دور عمان في هذا المجال ودورها في التسامح والتقارب بين الثقافات والحضارات. وحديثاً أشاد التقرير السنوي الذي تصدره الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية لعام 2011 بمستوى التسامح الديني الموجود في السلطنة اتجاه الأديان والطوائف المختلفة الموجودة في البلاد، وهذا التقرير هو تأكيد لما جاء في تقرير سنة 2010 حول المضمون نفسه مما يؤكد بأن النهج العماني حول قضية التسامح هو نهج ثابت ولا يتغير بتغير السنوات لأنه ينبع من الروح العمانية التي ترفض التطرف والتعصب الديني والطائفي.

1.1 القيم في عصر التغيرات:

وفي خضم التطورات السريعة التي تحدث اليوم على الصعيد العالمي في مجال التكنولوجيا والتواصل والتجارة (أو ما يسمى العولمة)، استطاع المجتمع العماني أن يعيش التغيرات الحاصلة ويحافظ على أصالته، وهذا أمر ليس بالسهل بأن يجمع بين الأصالة والحداثة لمسايرة الركب الحضاري السائد، وليواكب التطورات التي يعيشها العالم ككل حيث التنافس هو الذي يحكم مصير الاقتصاد العالمي والمحلي. ولا يمكن لأي نظام تربوي ذي رؤية أن يتجاهل الأمر ويعدّ طلابه للماضي وليس للمستقبل. وهذا ما هدفت إليه "الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040" في سلطنة عمان، بأن تساهم التربية في بناء جيل من الشباب العماني لديه "قدرات ومهارات تستطيع مواكبة التطور التقني والتكنولوجي، وإدارة التغيرات التي تحصل فيه بكفاءة عالية"، جيل يعتز بهويته الوطنية والاسلامية والعربية، وفي الوقت ذاته قادر أن يبقي عمان على خريطة العالم العلمية والانسانية والحضارية، ويعزز دورها مع الوقت. وهذا ما يدفع أصحاب القرار للعمل على محورين: تأمين تعليم ذي جودة ومواكب للتطورات العلمية، وفي الوقت ذاته المحافظة على القيم والهوية العمانية، وغرسها في شخصية المتعلمين. وهذا ينسجم مع "رؤية التعليم في عمان" التي تضمنت: بناء موارد بشرية تمتلك المهارات اللازمة للعمل والحياة مما يمكنها من العيش منتجة في عالم المعرفة ومؤهلة للتكيف مع متغيرات العصر ومحافظة على هويتها الوطنية وقيمها الأصيلة، وقادرة على الإسهام في رقي الحضارة الانسانية. كما أوصت الرؤية بتعميق التعليم لمفهوم المواطنة والانتماء وتعزيز وعي المواطنين بحقوقهم وواجباتهم.

2.1 دور وزارة التربية والتعليم:

إن الوصول إلى هذه الغاية لا يحدث بمجرد التمني أو وضع ذلك ضمن نصوص لا تجد طريقها إلى الواقع الممارس، بل على عكس ذلك فإن وزارة التربية المسؤولة عن تربية أطفال وشبيبة الوطن ما بين سن الخامسة والثامنة عشر، أي جيل المستقبل، تقوم بهذا الدور العلمي والتربوي والإنساني. وقد استمدت مبادئ عملها من النطق السامي الذي لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها على أهمية التربية النوعية التي يحتاجها الوطن، وقد ترجمت فلسفة التعليم، والاستراتيجية الوطنية للتعليم، وتقارير "التعليم للجميع" ذلك، إضافة إلى ما ورد في النظام الأساسي للدولة حيث جاء فيه أن التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع، ترعاه الدولة وتسعى لنشره وتعميمه... وتنمية التفكير العلمي، وإذكاء روح البحث، وتلبية متطلبات الخطط الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد جيل قوي في بنيته وأخلاقه، ويعتز بأمته ووطنه وتراثه، ويحافظ على منجزاته الحضارية. لذلك وضعت خطط تربوية ضمن الخطط التنموية العامة كما ورد في النطق السامي لصاحب الجلالة السلطان قابوس-حفظه الله- "إن ما نسعى إليه ومن خلال تنفيذ الخطط التنموية المتعاقبة في السلطنة هو استكمال بناء أسس الدولة العصرية". والدولة العصرية التي نلمس معالمها في البنيان والاقتصاد والخدمات الصحية والأمن الاجتماعي والتعليم بحاجة لبذل المزيد من الجهد من قبل المواطنين على الصعيد التربوي والعملي-الانتاجي دون التملص من القيم التي ترعى سلوكياتنا. وهذه القيم التي تساهم العائلة والمسجد والمدرسة والإعلام وغيرها من المؤسسات المجتمعية في غرسها لدى الناشئة يجب متابعتها والسهر على حسن اكتسابها والجدية في التصرف على أساسها في المدرسة والعمل والشارع والمجتمع ككل. 

وقد كان لوزارة التربية مساهمات في هذا الحقل خلال السنوات السابقة تمثلت في مجالات عديدة من أبرزها:

- تضمين بعض قيم المواطنة في المناهج الدراسية لاسيما مناهج الدراسات الاجتماعية.

- تنفيذ برامج وورش تدريبية للمعلمين تتعلق بتربية المواطنة.

- نشر ثقافة المواطنة من خلال الملتقيات التربوية والمنتديات، والتعاون مع الجهات المعنية خارج الوزارة مثل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مثل مشروع " تعزيز القيم والاخلاق لطلاب المدارس" والذي يهدف إلى غرس القيم والاخلاق لدى الطلبة والطالبات في مراحل التعليم المختلفة.

- المشاركات في الفعاليات الدولية؛ من أجل الاطلاع على التجارب والخبرات لدى بعض الدول العربية والاجنبية في مجال تربية المواطنة.

- تنفيذ برامج ومشاريع في الحقل التربوي بمختلف المحافظات التعليمية لتعزيز قيم المواطنة لدى الطلبة في المدارس.

- إعداد بحوث وأوراق عمل لتطوير برامج المواطنة.

وستتابع الوزارة عملها في هذا المجال من خلال التركيز على تبيان أهمية القيم التي يؤمن بها المجتمع العماني وإشراك الطلاب في أنشطة ميدانية لغرس هذه القيم في نفوسهم من خلال الممارسة حيث يرصدون المشكلات أو الظواهر المجتمعية والأمور ذات الطابع الوطني العام، ويدرسونها بطريقة بحثية مستخدمين خبراتهم التعلّمية السابقة ومكتسبين خبرات جديدة جراء العمل كفريق على مواضيع تهم المواطن والوطن. وهنا تتجسد بعض قيمنا من خلال عيشها من قبل طلابنا لأن الاهتمام بما يوجد في المجتمع هو هدف تربوي في أي مجتمع، ثم الانغماس في موضوع يتطلب جهداً جماعياً يعزز لديهم روح الجماعة والتعاون على إنجاز مهمة معينة، كذلك التواصل مع بعضهم البعض باحترام، وقبول الاختلاف في وجهات النظر، والتوصل إلى حل لأي مشكلة يدرسونها. كل هذا يعطيهم ثقة بذاتهم وبقدراتهم العلمية والاجتماعية، ويولّد لديهم شعوراً بالمسؤولية الاجتماعية. كما أن العمل التطوعي يشجع فيهم الاهتمام بمن يحتاج إلى مساعدة، ويقربهم من أبناء وطنهم أكثر. ويشعرون بأن المجتمع السليم هو الذي يهتم أفراده ببعضهم البعض، وهذا ما دعا إليه الدين الإسلامي من تكافل وتضامن. لذا نرى أن العمل التربوي ضمن المنظومة التعليمية المعمول بها في السلطنة له أوجه عدة: تقديم المعارف للمتعلمين، وإكسابهم المهارات الفكرية والحركية، وتنشئتهم كمواطنين مسؤولين ومنتجين. "فنظام التعليم يعمل على تعزيز القيم والمعتقدات الأصيلة، ويؤكد الثوابت الدينية والثقافية والاجتماعية للسلطنة" (الاستراتيجية الوطنية للتعليم 2040). وبما أن المجتمع العماني يعتبر فتياً (35%من السكان دون الخامسة عشر)، فإن طلاب اليوم "يشكلون الرأسمال البشري لمستقبل عمان"، لذلك فإن العمل على غرس القيم الدينية والمجتمعية والوطنية والمهنية في نفوسهم إنما هو لصالحهم ولصالح مستقبل الوطن.

ولم تغفل وزارة التربية في كل مشاريعها التربوية فئة الطلاب ذوي الإعاقة بحيث تعمل للتوسع في تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية لهم وللمجيدين أيضاً، وذلك بالتعاون مع الجهات ذات الاختصاص في الدولة.

3.1  دور المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني:

إن أي عمل تقوم به وزارة التربية والتعليم لا بد من أن يلقى الدعم والتعاون من قبل باقي الوزارات ومؤسسات المجتمع. لذلك يعتبر موضوع قيم المواطنة قضية عامة تهم السلطنة ككل وبالتالي سائر مؤسسات الحكومة والقطاع المدني. وفي الندوة التي ستعقد على صعيد وطني سيتضح دور كل مؤسسة في كيفية الدعم والمشاركة خصوصاً وأن أي نشاط تربوي يجب أن يحظى باهتمام أكبر شريحة من المجتمع .

 وإن إشراك المجتمع المدني في صياغة استراتيجيات تطوير التعليم وفي تنفيذها ومتابعتها أمر مرحب به من قبلنا جميعاً خصوصاً في باب إكساب طلابنا المهارات والقيم الاجتماعية-المواطنية، كما أن هناك دوراً مشابهاً لجمعيات المرأة العمانية المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد، في المساهمة بتطوير التعليم خاصة بالنسبة لتعليم الإناث، من خلال عضويتها في العديد من  اللجان مع وزارة التربية والتعليم وبعض الوزارات الأخرى المعنية بالتعليم. وكذلك تشجيع مشاركة أولياء الأمور في عملية تطوير التعليم من خلال مجالس الآباء والأمهات.

4.1 تجسيد هذه الرؤية للمواطنة في العملية التربوية:

إن تجسيد أي خطة أو رأي يبدأ بوضع أهداف واضحة لها كي تسير المؤسسة نحو تنفيذها. وتنعكس أهداف العمل التربوي في السلطنة بما تضمنه تقرير "وزارة التربية والتعليم، التعليم للجميع، 2014" من أهداف كالآتي:

1- تعزيز الولاء للوطن ولجلالة السلطان المعظم.
2- تأكيد الانتماء إلى المجتمع الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي.
3- تأكيد الإيمان بمبادئ الدين الإسلامي، وترسيخ العقيدة والقيم الروحية فى نفوس المتعلمين، وتوظيفها في الحياة وجعلها معيارا للسلوك .
4- الاعتزاز باللغة العربية، والتوسع في تعليمها، وإتقان فنونها، مع اكتساب المهارات الكافية لإحدى لغات التواصل الدولي.
5- الانتماء إلى المجتمع، والوعي بالاتجاهات العالمية.
6- تكوين اتجاهات إيجابية نحو العمل ونحو البيئة.

إن الجهات المسؤولة (خصوصاً وزارة التربية) تعمل بكل وحداتها على تحقيق هذه الأهداف من خلال ترجمتها إلى مناهج دراسية، وكتب مدرسية وتوفير معلمين يتمتعون بالمهارات المطلوبة لإيصال الطلاب إلى بلوغ الأهداف أعلاه المرتبطة بمعظمها بالمواطنة.

ولما كان أحد أهم أهداف المنهج المدرسي إعداد المتعلم للتعايش مع الآخر وعلى تبني منهج الاعتدال والتسامح ودعم السلم العالمي، فإن المناهج العمانية تولي أهمية خاصة لتطبيق مفاهيم السلام والاحترام والتنوع والشورى والتعدد الثقافي (البنك الدولي ، ووزارة التربية والتعليم ، 2012)، وغرس القيم والاتجاهات الوطنية في شخصيته.

فقد تضمنت المناهج الدراسية الكثير من الموضوعات التي تحث على هذه الثقافة، وتعمل على ترسيخها من خلال العمل الجماعي والأنشطة المختلفة التي يطلب من المتعلم تنفيذها، أو عن طريق المحاضرات والندوات أو كلمات الصباح التي تلقى في الإذاعة المدرسية، أو عن طريق الصحافة المدرسية، بل إن بعض المناهج الدراسية مثل مناهج التربية الإسلامية والدراسات الاجتماعية تضمنت موضوعات كاملة تتعلق بالتسامح واحترام الآخر والاهتمام بالقضايا العالمية. وستستمر الوزارة في التركيز على إكساب المتعلمين المعارف والمهارات والقيم التي تصب في صالح كل فرد وفي الصالح العام أيضاً. وفي المرحلة الحالية يتم إدماج عناصر المواطنة في المناهج الدراسية التي يجري تطويرها خصوصاً في الأهداف التي يتضمنها وفي المحتوى الذي يترجم إلى كتب دراسية. ولتنفيذ هذه الأفكار لا بد من تدريب المعلمين على إستراتيجيات تدريس وتعلم حديثة لتمكينهم من تطبيق التعلم الذاتي والتعلم التعاوني وحل المشكلات وإجراء البحوث التي تتضمنها المناهج الحديثة.

 




شارك بهذه الصفحة :